Skip to main content

      وليد خازندار      

          أشرعة بلون الفجر، وليد خازندار، 2022            

 

               I                                              

 في‭ ‬هذه‭ ‬الساحة 

إنْ‭ ‬رآكَ‭ ‬أحدٌ‭ ‬واقفاً
كتمثالٍ‭ ‬يستعيدُ‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬
إنْ‭ ‬لوَّحَ،‭ ‬رافعاً‭ ‬يَدَهُ
عارفاً أنَّكَ‭ ‬أنتَ،‭ ‬أو‭ ‬عساكَ،‭ ‬أو‭ ‬تشبهُهُ‭ ‬
لَوِّحْ‭ ‬أنتَ‭ ‬أيضاً،‭ ‬وابتسم‭.‬

قد‭ ‬يأخذُ‭ ‬من‭ ‬طريقِهِ‭ ‬خُطىً‭ ‬إليكَ
بِهِمَّةِ‭ ‬من‭ ‬كانَ‭ ‬هُنا‭ ‬ذلكَ‭ ‬اليومَ
في‭ ‬هذِهِ‭ ‬الساعةِ
أو‭ ‬بعزمِ‭ ‬من‭ ‬يتمَنَّى
أن‭ ‬يلتقيَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

مُدَّ‭ ‬ذراعَكَ،‭ ‬أنتَ‭ ‬أيضاً،‭ ‬إنْ‭ ‬مَدَّ‭ ‬ذراعَهُ
شُدَّ‭ ‬على‭ ‬يدِهِ،‭ ‬إنْ‭ ‬فَعَل‭.‬
إستَعِنْ،‭ ‬إن‭ ‬احتَجْتَ
بأيِّ‭ ‬صوتٍ‭ ‬هَوَى‭ ‬في‭ ‬هذِهِ‭ ‬الساحة‭.‬
سيكونُ‭ ‬صوتَكَ
قُلْ‭ ‬بِهِ‭: ‬عساكَ‭ ‬بخير‭.‬

سيناريو

مشهدٌ‭ ‬خارجيٌّ‭ ‬من‭ ‬بعيد‭.‬
تتوقَّفُ‭ ‬سيَّاراتٌ‭ ‬سوداء.
ينزلُ‭ ‬منها‭ ‬رجالٌ‭ ‬بسرعةٍ
يصعدونَ‭ ‬إلى‭ ‬الطوابقِ.
يقفُ‭ ‬اثنانِ‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬المدخلِ
من‭ ‬جانبيه‭.‬

العمارةُ‭ ‬انطَفَأَتْ،‭ ‬والعماراتُ‭ ‬المجاورة‭.‬
من‭ ‬يمُرُّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقتِ‭ ‬الذي‭ ‬تأخَّرَ
يعصرُ‭ ‬نفْسَهُ‭ ‬على‭ ‬الرصيفِ
يكملُ‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلتَفِت‭. ‬

مشهدٌ‭ ‬داخليٌ‭ ‬يقترب‭.‬
رجلٌ‭ ‬في‭ ‬ملابسِ‭ ‬الخروج‭ِ‬
هادئٌ‭ ‬على‭ ‬كرسيٍّ
ولا‭ ‬وقتَ‭ ‬لتفسيرِ‭ ‬هذا‭.‬

قد‭ ‬يكونُ‭ ‬لامقصوداً‭ ‬بالدقّاتِ‭ ‬الجبَّارةِ
أو‭ ‬ربّما‭  ‬لا‭ ‬يسمعُها
يُصغي‭ ‬إلى‭ ‬موسيقى‭ ‬عاليةٍ
ترافقُ‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭.‬

عين‭ ‬الزوجة‭ ‬والأولاد

الأحسنُ‭ ‬أنْ‭ ‬يخرجَ‭ ‬إليهم
‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يبقى في انتظارهم
يراجعُ‭ ‬ما‭ ‬يقولُ
‬وكيفَ‭ ‬يفعلُ
كي‭ ‬لا‭ ‬يسقطَ‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬عمرِهِ
عينِ‭ ‬الزوجةِ‭ ‬والأولاد‭.‬

ستكونُ‭ ‬خبطاتٌ‭ ‬على‭ ‬البابِ
طرشاءُ،‭ ‬لا‭ ‬داعٍ‭ ‬لقوَّتِها‭.‬
تتكمَّشُ‭ ‬زوجتُهُ‭ ‬بهِ
تتكمَّشُ البنتُ ‬بهما
ترى ‭ ‬ما‭ ‬لن تنسى‭.‬

سيخلعونَ‭ ‬البابَ‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬ينفتح‭.‬
ويفَتِّشونَ‭ ‬البيتَ‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ‭ ‬لن‭ ‬يصلوا‭ ‬إليه‭.‬
ينزعونَ‭ ‬قلوبَ‭ ‬المخدَّاتِ‭ ‬والمراتِب‭.‬
تَتَدَلَّى‭ ‬أيدِي‭ ‬القمصانِ،‭ ‬أرجلُ‭ ‬البنطلوناتِ‭ ‬
من‭ ‬الخزاناتِ‭ ‬والأدراجِ،‭ ‬كأنَّها‭ ‬أمعاء‭.‬

لكنْ‭ ‬حتَّى‭ ‬وإن‭ ‬خرجَ‭ ‬بنفْسِهِ‭
سوفَ‭ ‬يأخذُهُ‭ ‬اثنانِ منهم،‭ ‬وتدخلُ‭ ‬البقيَّةُ
تفعلُ‭ ‬هذا،‭ ‬وأكثرَ‭ ‬
في‭ ‬الأغلبِ،‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬أكيد‭.‬

كأنّه‭ ‬يسمعها‭ ‬

عيناكَ‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬عينَيّ،‭ ‬تقول‭.‬
على‭ ‬طاولةٍ‭ ‬على‭ ‬الشُبَّاكِ‭ ‬فنجانُ‭ ‬قهوةٍ
وكأسٌ‭ ‬يرعشُ‭ ‬الماءُ‭ ‬فيه ــ
تدخلُ‭ ‬طفلةٌ‭ ‬تجري
وراءَها‭ ‬طفلٌ،‭ ‬ويخرجان‭.‬
العمرُ‭ ‬يجري،‭ ‬تقول‭.‬

جيشٌ‭ ‬أسودُ‭ ‬في‭ ‬صفوفٍ‭ ‬على‭ ‬السجادة‭.‬
جيشٌ‭ ‬أبيضُ‭ ‬في‭ ‬صفوف‭.‬
عروسةٌ‭ ‬وعريسٌ‭ ‬على‭ ‬الأريكةِ‭ ‬الأرجوحة‭.‬
رجلٌ‭ ‬على‭ ‬الجدارِ ‬ينظرُ‭
أنتَ‭ ‬تراني،‭ ‬تقولُ
في‭ ‬عينيكَ‭ ‬الآنَ‭ ‬حنانٌ‭ ‬أكثر‭.‬

ميدانٌ‭ ‬صغيرٌ،‭ ‬من‭ ‬الشبَّاك‭.‬
أشجارٌ‭ ‬وعمودُ‭ ‬نورٍ‭ ‬وظلال‭.‬
مقعدٌ‭ ‬خشَبٌ‭ ‬عريضٌ‭ ‬فارغٌ‭ ‬على‭ ‬العشبِ
يكفي‭ ‬لاثنينِ‭ ‬معاً
وطفلينِ‭ ‬ربَّما
والليلُ‭ ‬ينزلُُ،‭ ‬ينتصف‭.‬

إستقالة

يتناقصونَ‭ ‬إلى‭ ‬درجاتٍ‭ ‬عاليةٍ
وقد‭ ‬يجيءُ‭ ‬وقتٌ‭ ‬لا‭ ‬يأتونَ‭ ‬فيه‭.‬
وهو‭ ‬نفسُهُ،‭ ‬إمامُ‭ ‬من‭ ‬تبقَّى
يتأخَّرُ‭ ‬اليومَ‭ ‬عنهم
ولا‭ ‬يلقي‭ ‬السلامَ‭ ‬حين‭ ‬يصل‭.‬
يصعدُ،‭ ‬ينظرُ‭ ‬كمن‭ ‬يعدُّهم‭.‬
إسمعوا‭ ‬أيها‭ ‬الإخوة،‭ ‬يقولُ‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬يُسَمِّي
الحكايةُ‭ ‬فيها‭ ‬خطأٌ
الإنسانُ‭ ‬هو‭ ‬الشيطان‭.‬
إن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأمرِ‭ ‬ملائكةٌ‭ ‬سابقونَ‭ ‬فليسوا‭ ‬غيرنا
نحن‭ ‬الناس،‭ ‬بناتنا‭ ‬أولادنا
الإنسانُ‭ ‬يأخذهم،‭ ‬لا‭ ‬نعودُ‭ ‬نراهم
ويريدُ‭ ‬أن‭ ‬نسكت‭.‬
بيوتُنا،‭ ‬كعباتُنا‭ ‬اليوميَّةُ،‭ ‬مزاراتُ‭ ‬أحبابِنا
يهدمُها‭ ‬علينا،‭ ‬ونبنيها،‭ ‬فيهدمُها‭.‬
سأقولها‭ ‬لكم‭ ‬بصراحةٍ‭ ‬أيها‭ ‬الإخوة‭.‬
ثُمَّ‭ ‬لا‭ ‬يقولُها
تدورُ‭ ‬عيناهُ‭ ‬بينهم،‭ ‬كمن‭ ‬يتأكَّدُ‭ ‬منهم‭.‬
ينزلُ،‭ ‬يلبسُ‭ ‬خُفَّيهِ‭ ‬ويذهب‭.‬
لا‭ ‬يفسِّرُ‭ ‬المعاني
ولا‭ ‬يشرحُ‭ ‬الكلماتِ‭ ‬الصعبة‭.‬

زوجها،‭ ‬أبو‭ ‬البنت

تجيءُ،‭ ‬أجيءُ‭ ‬معها
يرنُّ‭ ‬جرسُ‭ ‬الرواح‭.ِ
يَفِزُّ‭ ‬قلبُها‭ ‬من‭ ‬عينيها،‭ ‬أعرفُهُ‭ ‬وأراه‭.‬
مَنْ‭ ‬شافَها،‭ ‬تدورُ‭ ‬تسألُ‭ ‬البناتِ
من‭ ‬شافها؟

أطلبُ‭ ‬يدَها‭ ‬فترفضُ
فأظلُّ‭ ‬أطلبُها،‭ ‬توافق‭.‬
نعودُ‭ ‬إلى‭ ‬دارِنا،‭ ‬تجدُها‭ ‬هناك‭.‬
تظلُّ‭ ‬تُحاكيها‭ ‬ما‭ ‬تبقَّى‭ ‬من‭ ‬النهار‭.‬
تغنِّي‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬حَدِّ‭ ‬سريرِها
كي‭ ‬تنام‭.‬

“نصحو،‭ ‬لا‭ ‬تجدها،‭ ‬فننتظِر‭.‬
وحين‭ ‬لا‭ ‬تعودُ‭ ‬أبداً‭ ‬نجيءُ‭ ‬إلى‭ ‬هُنا‭.‬
أنا‭ ‬زوجها‭ ‬أبو‭ ‬البنتِ
أنتَ‭ ‬تعرفُ‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬ما‭ ‬يحدُثُ
حينَ‭ ‬لا‭ ‬يستطيعُ‭ ‬القلبُ‭ ‬أن‭ ‬يحتمل‭.‬

ما‭ ‬سوف‭ ‬يُرمَى‭ ‬ذات‭ ‬يوم

فراغٌ‭ ‬سَيِّدٌ‭ ‬في‭ ‬الرواق‭.‬
لا‭ ‬معطفَ‭ ‬لهُ‭ ‬على‭ ‬علّاقةِ‭ ‬الخروج‭.‬
لا‭ ‬تعكسُهُ‭ ‬المرآةُ
يدخلُ‭ ‬الحجراتِ،‭ ‬يتركُها‭ ‬فارغة‭.‬

يقفُ‭ ‬على‭ ‬بابٍ‭ ‬موارب‭.‬
مقاعدُ‭ ‬مقلوبةٌ‭ ‬على‭ ‬طاولةٍ‭ ‬عارية‭.‬
نحاسيَّاتٌ‭ ‬لا‭ ‬تلمعُ
فضِّيَّاتٌ‭ ‬منطفئة‭.‬
ملابسُ‭ ‬في‭ ‬خزانةٍ‭ ‬دونَ‭ ‬أبواب‭.‬
تجاعيدُ‭ ‬على‭ ‬الأكمامِ‭ ‬عند‭ ‬المَرافِقِ
ما‭ ‬سوف‭ ‬يُرْمَى‭ ‬ذاتَ‭ ‬يوم‭.‬

رجلٌ‭ ‬بين‭ ‬يديهِ‭ ‬ساعةُ‭ ‬حائطٍ‭ ‬في‭ ‬هيئةِ‭ ‬كوخ‭ٍ
تَصِلُ‭ ‬إلى‭ ‬الخامسة‭.‬
يخرجُ‭ ‬عصفورٌ‭ ‬قَشٌ
يصيحُ‭ ‬مَرَّتينِ‭ ‬ويدخل‭.‬

الفراغُ‭ ‬نَفْسُهُ،‭ ‬السيِّدُ‭ ‬الأوَّلُ‭ ‬هُنا
لا‭ ‬يعرفُ،‭ ‬كُلَّ‭ ‬وقتٍ‭ ‬كهذا
إن‭ ‬كان‭ ‬السيِّدُ‭ ‬الثاني‭ ‬يحاولُ‭ ‬أن‭ ‬يبتسمَ
أم‭ ‬لا‭ ‬يريدُ‭ ‬أن‭ ‬يبكي‭.‬

عندما‭ ‬كان‭ ‬طفلاً

الصناديقُ‭ ‬وصَلَت‭.‬
عرفْتُ‭ ‬بعدَ‭ ‬سنينٍ‭ ‬أنَّها‭ ‬تُدْعى‭ ‬معونات‭.‬
رأيتُ‭ ‬الناسَ‭ ‬ينظرونَ‭ ‬إليها
من‭ ‬يَدٍ‭ ‬إلى‭ ‬يَدٍ،‭ ‬إلى‭ ‬دارٍ‭ ‬كبيرةٍ
لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرفُ‭ ‬أنَّ‭ ‬اسمَها‭ ‬عنابر‭.‬

حين‭ ‬عادَ‭ ‬الناسُ‭ ‬إليها
وكَسَروا‭ ‬بابَها‭ ‬العالي‭ ‬ودخلوا
كانوا‭ ‬قد‭ ‬انتظروا،‭ ‬كما عرفتُ‭
أكثرَ‭ ‬من‭ ‬مفاتيحِ‭ ‬الصبرِ
ومن‭ ‬كنوزِ‭ ‬القناعة‭.‬

عنابرُ‭ ‬كانت‭ ‬كبيرةً‭ ‬ونظيفةً
لكنْ‭ ‬معوناتُ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭.‬
وجوهُ‭ ‬الناسِ‭ ‬صارت‭ ‬مثلَ‭ ‬وجهِ‭ ‬أبي
حينَ‭ ‬أعملُ‭ ‬شيئاً‭ ‬غَلَط‭.‬
قالوا‭ ‬كلاماً‭ ‬لا‭ ‬أذكرُهُ
بأصواتٍ‭ ‬مثلِ‭ ‬صوتِهِ‭ ‬حين‭ ‬يغضب‭.‬

ولدٌ‭ ‬أكبرُ‭ ‬منِّي‭ ‬بقيَ‭ ‬في‭ ‬أُذُنَيّ‭.‬
أَحْسَنُ‭ ‬أن‭ ‬نهربَ،‭ ‬قالَ،‭ ‬قبلَ‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬الحكومة‭.‬
كنتُ‭ ‬في‭ ‬أوَّلِ‭ ‬الابتدائيَّةِ
حين‭ ‬عرفْتُ‭ ‬أن‭ ‬الحكومةَ‭ ‬شيءٌ‭ ‬جائعٌ‭ ‬ومخيف‭.‬

رسالة‭ ‬بنصّها،‭ ‬تقريباً

ولدٌ‭ ‬لا‭ ‬يزالُ،‭ ‬عجوزٌ‭ ‬تبَقَّى
أو‭ ‬سَمِّني‭ ‬ما‭ ‬شئت‭.‬
أمشي بعدي‭ ‬إلى‭ ‬الصحراءِ‭
لكن أبْطَأَُ، في‭ ‬أوقاتِها‭.‬

أقفُ‭ ‬على‭ ‬الأسلاكِ‭ ‬أراكُم
عائدونَ،‭ ‬إلى‭ ‬جانبي‭.‬
السرابُ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يدنو
كما‭ ‬في‭ ‬أيّامِنا
يدَّعي‭ ‬أنَّهُ‭ ‬قوافلُ
ألا‭ ‬زلتم‭ ‬ترونَهُ؟

الأولادُ‭ ‬والبناتُ‭ ‬أمامي‭.‬
لا‭ ‬صوتي‭ ‬يطاوعني،‭ ‬ولا‭ ‬قدماي‭.‬
تجيئون‭ ‬بأعمارِنا،‭ ‬نصيرُ‭ ‬بينهم.
أهتفُ‭ ‬في‭ ‬سِرَّي‭ ‬ــ
السماءُ‭ ‬المهدورةُ
كُلُّ‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬السياجِ
البحرُ‭ ‬المسروق‭.‬

أقواس‭ ‬تفتحها‭ ‬الريح

من‭ ‬الغيمِ‭ ‬أنَّها‭ ‬سوف‭ ‬تمطرُ
دفعةً‭ ‬واحدةً،‭ ‬ربَّما‭ ‬لسنين‭.‬
السماءُ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬غضبٍ‭ ‬ورمادٍ
هكذا،‭ ‬في‭ ‬أيِّ‭ ‬وقت‭.‬

رجلانِ‭ ‬يستعيدانِ‭ ‬قارباً‭ ‬من‭ ‬التيَّار‭.‬
الموجُ‭ ‬يرفعُ‭ ‬المراكبَ‭ ‬المربوطةَ
ينزلُ،‭ ‬تصبحُ‭ ‬خلفَهُ،‭ ‬تعلو
توشكُ‭ ‬أن‭ ‬تسافر‭.‬

النخلُ‭ ‬أقواسٌ‭ ‬تشُدُّها‭ ‬الريح‭.‬
ليس‭ ‬له‭ ‬غيرُ‭ ‬جذورِهِ‭ ‬يرتَدُّ‭ ‬إليها
تكادُ‭ ‬تنزعُهُ‭ ‬أغصانُهُ‭ ‬وتطير‭.‬
يندفعُ‭ ‬قَشٌ،‭ ‬تنكاتٌ‭ ‬فارغةٌ
أقفاصٌ‭ ‬من‭ ‬الأسطُحِ،‭ ‬أعلى
أكياسُ‭ ‬ورقٍ
أغطيةٌ‭ ‬عن‭ ‬العربات‭.‬

البيتُ‭ ‬الذي‭ ‬بَعْدُ‭ ‬ما‭ ‬انبنى
‭ ‬أمامَ‭ ‬البحرِ
ولم‭ ‬يعد‭ ‬وقتٌ‭ ‬لهذا،‭ ‬يقاوم‭.‬

II

نار‭ ‬حول‭ ‬الغناء

إنحناءٌ إلى الأعلى، الطريقِ إليكم
كما في صلاة.
طاقةُ قدرٍ، بعدَ قليلٍ، توازي بيَ السماء.

أعرفُكم، وتشبهونَ الجميع.
وجوهكم تقاطيعٌ تَشُدُّ عمري
يعودُ لي بيتٌ بينكم.
بهاؤكم، الأقوى ما تدافعونَ بِهِ
لا يزالُ في تجربةٍ ــ
نارُكم حولَ الغِناء.
شفتايَ تواكبُكُم، يوشكُ صوتي أن يعود.

لكنَّكم في غيرِ حاجةٍ
ينزلقُ على دمِكم كلامٌ كثير.

طالما‭ ‬أنتَ‭ ‬بينهم

مُدَّ‭ ‬يَدَك‭َ
فَتِّتِ‭ ‬الخرابَ‭ ‬معهم‭.‬
يستدركونَ‭ ‬الحصباءَ‭ ‬من‭ ‬الدمار‭.‬
يُعَدِّلونَ‭ ‬الحديدَ‭ ‬بأيديهم
يوجِّهونَهُ‭ ‬إلى‭ ‬السماءِ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

ستكون‭ ‬دونَ‭ ‬اُغنيةٍ
صَبَّةُ‭ ‬السقْفِ‭ ‬هذِهِ‭ ‬المَرَّة‭.‬
يصغونَ إلى‭ ‬عتباتِ‭ ‬الخُطى
أبوابِ‭ ‬الدقَّاتِ‭ ‬التي‭ ‬هَوَت‭.‬

في‭ ‬عيونِهم شبابيكُ‭ ‬مفتوحةٌ
إن‭ ‬أُغْلِقَتْ‭ ‬هَجَسَت‭.‬
أصحابُ‭ ‬صنعةٍ
خبراءُ‭ ‬في‭ ‬ترميمِ‭ ‬الأمل‭.‬

أُنْظُرْ‭ ‬إلى خشونةِ‭ ‬أيديهم
‬من‭ ‬ضرباتِ‭ ‬تجديدِ‭ ‬الإقامة‭.‬
تعلَّمْ‭ ‬كيف‭ ‬تعلو‭ ‬درجاتُ‭ ‬البقاء‭.‬

حازم

هذا‭ ‬اللاتلفُّتِ‭ ‬الحائرِ
ليس‭ ‬إلّا‭ ‬أنت‭.‬
إذْ مَنْ‭ ‬سواكَ،‭ ‬في‭ ‬هشاشةِ‭ ‬هذِهِ‭ ‬الخُطى
يستطيعُ‭ ‬أنْ،‭ ‬مسرعاً،‭ ‬قُرْبَ‭ ‬دارِكم
يظهرُ‭ ‬من‭ ‬ركامٍ‭ ‬يختفي‭ ‬وراءَ‭ ‬ركام؟‭ ‬

أنتَ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحبُّ‭ ‬أن‭ ‬يناديك‭ ‬أحدٌ‭ ‬باسمكَ
لم تكن تُجيبُ
طيلةَ‭ ‬الطريقِ‭ ‬التي‭ ‬انعطَفَتْ‭ ‬ولم‭ ‬تطاوعها‭.‬
لكنَّني‭ ‬ناديتُكَ
بالاسمِ،‭ ‬والأبِ،‭ ‬والعائلةِ
وجاوبتني‭.‬

صوتُكَ‭ ‬أبعدُ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أجدكَ
مع‭ ‬أنّكَ‭ ‬هُنا ــ
خطفُ‭ ‬نَبْرٍ‭ ‬من‭ ‬استعجالكَ
حازمٌ، بنبرِِ خيبةٍ‭ ‬طارئةٍ‭ ‬عليك‭.‬

أنت‭ ‬لن‭ ‬تراني،‭ ‬بعد‭ ‬اليومِ،‭ ‬سمعتُكَ‭ ‬
كيفَ‭ ‬صدَّقْتَ‭ ‬أنَّني‭ ‬غادَرْتُ‭ ‬هذِهِ‭ ‬المدينة”؟

صاحبكَ 

من‭ ‬مشى‭ ‬بكَ‭ ‬الليل‭ ‬بين‭ ‬التلفُّتِ
مُسْرِعَيْنِ‭ ‬في‭ ‬أزِقَّةٍ‭ ‬كنتما‭ ‬تتلكَّآنِ‭ ‬فيها
تتحيَّنانِ‭ ‬خروجَ‭ ‬الأميرات‭.‬

مُراوغُ‭ ‬الكمائنِ
الشوارعِ‭ ‬اللامرصوفةِ
في‭ ‬التشابُهِ،‭ ‬بين‭ ‬الحواكير‭.‬
إلفُ‭ ‬الصبّارِِ‭ ‬الحارسِِ
حافظُ‭ ‬كلماتِ‭ ‬السِرِّ تفتحُ ليلَ‭ ‬الساهرين‭.‬

العارفُ‭ ‬بالأزيزِ،‭ ‬صاحبُكَ
خبيرُ‭ ‬الكشَّافاتِ
سليلُ‭ ‬الاسترابةِ‭.‬
من‭ ‬قطعَ‭ ‬بَكَ‭ ‬الطريقَ من‭ ‬البحرِ‭ ‬إلى‭ ‬الضفَّة‭.‬
من‭ ‬اختارَ‭ ‬أَثْلاً‭ ‬وضَعَكَ‭ ‬منهُ‭ ‬في‭ ‬عينيهِ
بينما‭ ‬أنتَ‭ ‬تقطعُ‭ ‬النهر‭.‬

بابه الواسع

منشارهُ‭ ‬الكهرباءُ
فُرْجتُنا‭ ‬مَرَّتينِ،‭ ‬في‭ ‬طريقِ‭ ‬المدرَسة‭.‬
إذا‭ ‬ساكتٌ‭ ‬يكونُ‭ ‬يقيسُ
ثُمَّ‭ ‬يعلِّمُ
ويقيسُ‭ ‬ثانيةً،‭ ‬ويُصَلِّحُ‭ ‬العلاماتِ
يلتفتُ‭ ‬إلينا،‭ ‬ويبتسم‭.‬

يرجعُ‭ ‬خطوتينِ،‭ ‬أحياناً،‭ ‬يعاين‭.‬
يدَهُ‭ ‬في‭ ‬جيبِ‭ ‬سترتِهِ
كأنَّهُ‭ ‬يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ
ويُخرِجُها‭ ‬فارغة‭.‬

تَمُرُّ‭ ‬أصابعُهُ‭ ‬بالقلمِ‭ ‬الرصاصِ‭ ‬على‭ ‬أُذنهِ
يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬قلمِ‭ ‬الرصاص‭.‬
إن‭ ‬ارتاحَ‭ ‬وجهُهُ‭ ‬يجلسُ
يلفُّ‭ ‬تبغاً‭ ‬ويدَخِّن‭.‬

إنْ  ‬لم‭ ‬أنتبه ودخلتُ ‬عليهِ
‬ألقيتُ‭ ‬السلامَ
سوف ‬يقومُ،‭ ‬يَرُدُّ‭ ‬ويبتسم‭.‬
تقومُ‭ ‬الطاولةُ،‭ ‬الورشةُ‭ ‬كُلُّها
المنشارُ‭ ‬يصحو
أسمعُ‭ ‬صوتَهُ، الكهرباء‭ ‬‭.‬

أستاذ‭ ‬اللغة

أكانَ‭ ‬يعرفُ،‭ ‬حين‭ ‬قالَ‭ ‬نبنيها‭ ‬من‭ ‬جديدٍ
كم‭ ‬مَرَّةً‭ ‬قد‭ ‬انبنَتْ
هذِهِ‭ ‬المدينةُ،‭ ‬كُلُّها،‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬
سوف‭ ‬نبنيها،‭ ‬أعادَ
حتماً،‭ ‬أقوى‭ ‬وأجمل‭.‬

نعرفُ‭ ‬صوتَهُ‭ ‬حين‭ ‬يجزمُ
نحنُ‭ ‬الواقفونَ‭ ‬صَفّاً‭ ‬حولَهُ
أعمارنا‭ ‬تتقاربُ،‭ ‬أَسكتَنا‭ ‬الخراب‭.‬

أحضرَ‭ ‬معولاً‭ ‬واجتازَنا
كأنَّهُ‭ ‬في‭ ‬الفصلِِ، ذاهبٌ‭ ‬إلى السبّورة‭ ‬‭.‬
هاتوا‭ ‬أيَّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬ينفعُ،‭ ‬قالَ
والحقوني،‭ ‬سوف‭ ‬يأتي‭ ‬الجميع‭.‬

كان‭ ‬يعرفُ‭:

ضربةٌ‭ ‬منهُ،ضرباتٌ‭ ‬مِنّا،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬جاؤوا‭:‬
عرباتُ‭ ‬يَدٍ،‭ ‬فؤوسٌ،‭ ‬مجارفُ
أزاميلٌ،‭ ‬مطارقُ،‭ ‬عَتَلاتٌ
مناشيرُ خشبٍ وحديدٍ
كأنَّهم‭ ‬جاهزونَ‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭.‬

الغريق

أخرجوهُ‭ ‬من‭ ‬البحرِ
وحاولوا‭ ‬أن‭ ‬يُخرجوا‭ ‬البحرَ‭ ‬منه
‭ ‬فاتَ‭ ‬أوانُ‭ ‬أنْ‭ ‬يعود‭.‬
الناسُ‭ ‬حولَهُ،‭ ‬يتبادلونَ‭ ‬الاقترابَ
لا‭ ‬يعرفونَهُ،‭ ‬ولا‭ ‬يُشَبِّهون‭.‬

وهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فيهِ‭ ‬شيءٌ‭ ‬واضحٌ‭.‬
على‭ ‬ظَهْرِهِ،‭ ‬على‭ ‬الرملِ
وجهُهُ‭ ‬إلى‭ ‬السماءِ
ليس‭ ‬فيهِ‭ ‬بوصلَةٌ‭ ‬إليه‭.‬

المقاييسُ،‭ ‬الأساريرُ،‭ ‬تلاطَمَتْ
وألوانُ‭ ‬ملابسِهِ‭.‬
حتَّى‭ ‬نحنُ‭ ‬الذينَ‭ ‬ودَّعناهُما
لم‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬وجهِهِ‭ ‬سوى‭ ‬المجذاف‭.‬

من‭ ‬منهما‭ ‬قد‭ ‬يكونُ‭ ‬نجا
وسوفَ‭ ‬يجيءُ‭ ‬عنه‭ ‬خَبَرٌ،‭ ‬أو‭ ‬رسالةٌ
يقولُ‭ ‬إنَّهُ‭ ‬بخيرٍ
وأيّهما‭ ‬رآهُ‭ ‬الصيَّادونَ‭ ‬طافياً
المجذافُ‭ ‬قربَهُ
فاتحاً‭ ‬ذراعيهِ،‭ ‬يحتضنُ‭ ‬البحر؟

آمنة

مشوا‭ ‬بها‭ ‬بسرعةٍ،‭ ‬ومشيتُ‭ ‬معهم
عيونُنا‭ ‬بين‭ ‬الشوارعِ‭ ‬والغيوم‭.‬
إنْ‭ ‬تركناها‭ ‬وهربنا،‭ ‬إن‭ ‬عادتِ‭ ‬الطائراتُ
قلتُ‭ ‬في‭ ‬سِرِّي
‭ ‬سوف‭ ‬أخجلُ‭ ‬منها‭ ‬إن‭ ‬رأتني‭ ‬صدفةً
ونادتني‭ ‬باسمي،‭ ‬يومَ‭ ‬القيامة‭.‬

مشَتْ‭ ‬عشرَ‭ ‬سنينٍ‭ ‬أصغرَ‭ ‬مِنِّي‭.‬
خطواتٌ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬كرَجَتْ‭ ‬نحو‭ ‬بابِ‭ ‬الدار‭.‬
تمنيَّتُ‭ ‬أن‭ ‬آخذَ‭ ‬يدَها
أدورُ‭ ‬بها‭ ‬شوارعَ‭ ‬المدينة‭.‬
خالتي،‭ ‬أُمُّها،‭ ‬وقَفَتْ‭ ‬كمن‭ ‬يراقبُ‭ ‬معجزة‭.‬
بنتي‭ ‬مستعجلةٌ،‭ ‬قالت
عندها‭ ‬موعد‭.‬

حفروا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأرضِ‭ ‬باباً‭ ‬على‭ ‬قدِّها
شفاهُهُم‭ ‬تتحرَّكُ،‭ ‬ينظرونَ‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭.‬
أدخلوها‭ ‬بسرعةٍ
كأنَّهم‭ ‬يهرِّبونَها‭ ‬إلى‭ ‬دارٍ‭ ‬آمنةٍ‭ ‬أكثر‭.‬

أبوها‭ ‬ساكتٌ،‭ ‬عيناهُ‭ ‬ثابتتانِ
كأنّهُ هو القتيل‭ ‬‭.‬
مع‭ ‬السلامة‭ ‬يَمَّا
سمعتُ‭ ‬أُمُّها‭ ‬تقول‭.‬

زرقة‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض

لنا‭ ‬فيهِ‭ ‬غَرْقَى‭ ‬كُلَّ‭ ‬عام‭.‬
آلهةٌ‭ ‬من‭ ‬الصخرِ
عند‭ ‬البحثِ‭ ‬عنهم‭.‬

بحرٌ‭ ‬أبيضُ
زرقتُهُ‭ ‬لا‭ ‬تتوسَّطُ‭ ‬بيننا‭ ‬وبينَ‭ ‬الجهات‭.‬
مُغلَقٌ‭ ‬بأقفالٍ‭ ‬تدورُ‭ ‬علينا،‭ ‬تَئِزُّ
لا‭ ‬تنامُ‭ ‬الليلَ‭ ‬ولا‭ ‬النهار‭.‬

‭ ‬نصغي‭ ‬إليهِ
في‭ ‬سكوتِهِ‭ ‬نُذُرٌ‭ ‬وأَحْجِبة‭. ‬
لنا‭ ‬منهُ‭ ‬باحةُ‭ ‬السجنِ‭ ‬تحتَ‭ ‬الشمسِ
هواءُ‭ ‬السجين‭.‬

أمواجُهُ‭ ‬أخيلةٌ‭ ‬في‭ ‬العشيَّةِ
يعلو،‭ ‬وترتفع‭ ‬ــ
خيولٌ‭ ‬أعرافُها‭ ‬طويلةٌ
أشرعةٌ‭ ‬بلونِ‭ ‬الفجر‭.‬

هيلانة

الرياحُ‭ ‬أوشكتْ‭ ‬ألّا‭ ‬تتوقَّف‭.‬
ضربَ‭ ‬الموجُ‭ ‬أعمدةَ‭ ‬الميناءِ‭ ‬القديمِ
عَنَّفَ‭ ‬الشاطئَ
منازلَ‭ ‬المخيَّمِ،‭ ‬أَبْعَد‭.‬

الشرفةُ‭ ‬عادَتْ‭ ‬إلى‭ ‬الكون‭.‬
مشيتُ‭ ‬مع‭ ‬الفجرِ‭ ‬عليها‭.‬
ما‭ ‬من‭ ‬حَجَرٍ‭ ‬لم‭ ‬يكن ليس‭ ‬في‭ ‬مكانِهِ
حاملاً‭ ‬لونَ‭ ‬الزمان‭.‬ 

الخائفةُ‭ ‬من‭ ‬أعدائِها‭ ‬وإخوتِها
السيِّدةُ‭ ‬الملكةُ
عادَتْ‭ ‬إلى‭ ‬كلامِ‭ ‬الناس‭.‬
“تلكَ‭ ‬شُرْفَتُها، وقفَتْ ‬عليها‭
نظرَتْ‭ ‬إلى‭ ‬المراكبِ
إلى‭ ‬المدينةِ،‭ ‬واختَفَتْ
قال‭ ‬واحدٌ‭ ‬من‭ ‬الذين رأوها‭‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬حفروا‭ ‬لها‭ ‬نَفَقاً
من‭ ‬قصرِها‭ ‬في‭ ‬الحارةِ‭ ‬القديمةِ‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭.‬
بل‭ ‬من‭ ‬طابَقَ‭ ‬خطوُهم‭ ‬خطوَها‭ ‬
بينما‭ ‬يحفرونَ‭ ‬سماءً
غيرَ‭ ‬هذِهِ‭ ‬التي‭ ‬غادرَتْها‭ ‬النسور‭.‬

III

قبل‭ ‬أن‭ ‬يتزوّج‭ ‬أمّي

أرادَ‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬داراً‭ ‬طابقينِ
حديقتُها‭ ‬واسعةٌ،‭ ‬سورُها‭ ‬حَجَرٌ‭ ‬قُدْسِيٌّ
بابُها‭ ‬حديدٌ‭ ‬مشغول‭. ‬
أضاعَ‭ ‬سنيناً‭ ‬من‭ ‬مجيئي
‬يعملُ‭ ‬النهارَ‭ ‬كُلَّهُ
ونصفَ‭ ‬الليلِ،‭ ‬والعطلات‭.‬
وأضاعَ‭ ‬سنيناً‭ ‬زيادةً‭ ‬يبحثُ‭ ‬عنها‭.‬

كان‭ ‬يريدُ‭ ‬أُماً‭ ‬لي‭ ‬تليقُ‭ ‬بِهِ‭.‬
رآها‭ ‬أمامَ‭ ‬بابِ‭ ‬دارِها‭ ‬تلعب‭.‬
أخذَ‭ ‬جَدِّي،‭ ‬من‭ ‬فورِهِ،‭ ‬وطَلَبَها ووافقوا‭
على‭ ‬أن‭ ‬ينتظرَ‭ ‬المزيدَ‭ ‬من‭ ‬مجيئي
“البنتُ‭ ‬لا‭ ‬تزالُ‭ ‬صغيرة”‭.‬

جئتُ‭ ‬متأخِّراً‭ ‬‭ ‬
ولولا‭ ‬أنَّ‭ ‬لي‭ ‬أُختاً‭ ‬جاءتْ‭ ‬متأخِّرَةً‭ ‬أكثرَ‭ ‬مِنِّي
وأصحاباً‭ ‬تأخَّروا‭ ‬مثلي
لولا‭ ‬الناسُ‭ ‬الذينَ‭ ‬من‭ ‬عيونِهم
أنَّهم‭ ‬يخبِّئونَ‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الأمل
لاستغربتُ‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أبكِ‭
حين‭ ‬خرجتُ‭ ‬من‭ ‬أُمِّي‭.‬

أيامه وعتمتهم

تكفيهِ شمعةٌ في نصفِها
على صحنِ فنجانِ قهوةٍ، حينَ يقطعونَ الكهرباء.
تأتيه أُمِّي بعلبةِ الكبريت.
أرى يدَهُ تشكرُ يدَها في نصفِ العتم.

يكملُ، إن كانَ يقرأ.
عندَهُ خمسةُ كُتُبٍ، الأيامُ منها، بالعدد.
يكتُبُ كُلَّ حينٍ رسالةً إلى أخي في الجامعة
ربَّما يستطيع أحدٌ أن يسافرَ، يأخذها معه.
أو إلى عَمِّيَ، من وقتِ أن أخذوهُ، ربَّما تصل.

صرتُ أبصرُ في عتمتِهم، بعدَكَ يا أبي
النقطةَ في آخِرِ سطرِهم.

الألفة‭ ‬لم‭ ‬تغادر‭ ‬معنا

حملنا‭ ‬ما‭ ‬قدرنا‭ ‬عليهِ
هيبةُ‭ ‬أبي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭.‬
أُمِّي‭ ‬وقَعَتْ‭ ‬على‭ ‬الأرضِ
مَدَّ‭ ‬يدَهُ،‭ ‬أخَذَتْها‭ ‬ووقفت‭.‬
نَفَضَ‭ ‬لها‭ ‬معطفَها،‭ ‬على‭ ‬مَهَلٍ
من‭ ‬الظَهْرِ‭ ‬والصدرِ‭ ‬والكُمَّيْنِ
أصلَحَتْ‭ ‬منديلَ‭ ‬شعرِها
وأكملنا‭.‬

إنَّها‭ ‬مورتَر
قال‭ ‬رجلٌ‭ ‬وهو‭ ‬يجتازُنا
في‭ ‬كُلِّ‭ ‬يَدٍ‭ ‬حقيبةٍ
سوف‭ ‬يدخلون‭.‬

وجدنا‭ ‬غُرْبَةً‭ ‬في‭ ‬ملجئِنا
صغيرةً،‭ ‬من‭ ‬عُمْري‭ ‬
عرفتُها‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬نصمتُ
حين‭ ‬تجلسُ‭ ‬بيننا‭.‬

الألفةُ‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬معنا
على‭ ‬رغمِ‭ ‬أننا‭ ‬التفَتْنا،‭ ‬كذا‭ ‬مَرَّةٍ،‭ ‬إليها‭.‬
كانت‭ ‬كبيرةً
أعرفُها‭ ‬من‭ ‬وقوفي‭ ‬طويلاً‭ ‬أمامَ‭ ‬دارِنا
بين‭ ‬المنازلِ‭ ‬المُهَدَّدة‭.‬

داره‭ ‬في‭ ‬الرمال

أكونُ‭ ‬أمشي‭ ‬
من‭ ‬البحرِ،‭ ‬إلى‭ ‬الحارةِ‭ ‬القديمةِ
عساه‭ ‬أن‭ ‬يعيدَ‭ ‬إليَّ‭ ‬غرفتي‭.‬

الناسُ‭ ‬على‭ ‬أبوابِ‭ ‬بيوتِهم
لا‭ ‬تغيَّرَتْ‭ ‬ولا‭ ‬تغيَّروا
ينظرونَ‭ ‬إليَّ،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭.‬

قطعٌ‭.‬
كلُّ‭ ‬الأبوابِ‭ ‬صارت‭ ‬بابَهُ
الوجوهُ‭ ‬كُلُّها‭ ‬هُوَ
تردُّ‭ ‬عليَّ‭ ‬السلامَ‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬تتذكَّرَني
وتقولُ‭ ‬تفضَّلْ‭.‬

قطعٌ‭.‬
تلكَ‭ ‬دارُهُ
أُريدُ‭ ‬أن‭ ‬أُغَيّرَ‭ ‬الطريقَ،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭.‬
إن‭ ‬رأيتُهُ‭ ‬على‭ ‬حرفِ‭ ‬الشرفةِ‭ ‬يتلفَّتُ
أكونُ‭ ‬تأخَّرْتُ،‭ ‬فأصحو‭.‬

عطلانة‭ ‬عيد‭ ‬النصر

كُنَّا‭ ‬نصفِّقُ‭ ‬في‭ ‬حرارةٍ‭ ‬لها
على‭ ‬الجانبينِ،‭ ‬ونهتف‭.‬
تعطَّلَتْ،‭ ‬نزلَ‭ ‬جنودُنا‭ ‬منها
إبنُ‭ ‬عمَّتي‭ ‬بينهم،‭ ‬يستطلعون‭.‬

لم‭ ‬لا‭ ‬تبيعونَها‭ ‬خُرْدَة،‭ ‬صاحتْ‭ ‬امرأةٌ‭.‬
إركبوها،‭ ‬صاحَ‭ ‬رجلٌّونحنُ‭ ‬نَزُقُّها‭ ‬بكم‭.‬
ضحكنا‭.‬
أولادُ‭ ‬الكَشَّافَةِ‭ ‬طَبَّلوا‭ ‬لحناً‭ ‬راقصاً
دونَ‭ ‬أن‭ ‬يتمايلوا‭. ‬
نَظَرَ‭ ‬ابنُ‭ ‬عمَّتي‭ ‬إليهم،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬إليها
قالَ‭ ‬عن‭ ‬أُمِّها‭ ‬كلاماً‭ ‬عرفتُهُ‭ ‬من‭ ‬شفتيه‭.‬

كانت‭ ‬أخبارٌ‭ ‬جاءتْ‭ ‬ليلةَ أمس
‬أنَّهم‭ ‬يقتربون‭ ‬من‭ ‬التلَّة‭.‬

متطوعونَ‭ ‬يملؤونَ‭ ‬العربات‭.‬
متطوِّعونَ‭ ‬يضربونَ‭ ‬الأرضَ‭ ‬بأقدامِهم
يصيحونَ‭ ‬بهاءاتٍ‭ ‬عالية
دونَ‭ ‬أن‭ ‬يتقدَّموا
وراءَ العطلانةِ، دبَّابَةِ‭ ‬أعيادِ‭ ‬النصر‭.‬

المدافعُ‭ ‬سكتَت‭

‬أخذوا‭ ‬المدينة.
رصاصٌ‭ ‬يتباعدُ‭ ‬من‭ ‬جهةِ‭ ‬المحطَّةِ
يتوقَّفُ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬يعود‭.‬
ننظرُ‭ ‬من‭ ‬ثقوبِ‭ ‬ساترِ‭ ‬الشرفةِ

نحنُ‭ ‬الأولادُ‭ ‬والبنات‭.‬

‭ ‬فراغٌ‭ ‬على‭ ‬البيوتِ،‭ ‬وبينها
لا‭ ‬يتحرَّكُ‭ ‬شيء‭.‬
وَطُّوا‭ ‬رؤوسَكم،‭ ‬ينهرُنا‭ ‬أبي‭.‬

أُمِّي‭ ‬تُتَمْتِمُ
وزوجةُ‭ ‬عَمِّي‭ ‬وجَدَّتي‭.‬
عَمِّي‭ ‬يوَطِّي‭ ‬رأسَهُ‭ ‬إلى‭ ‬جانبنا
éééé”عساكرُنا‭ ‬ينسحبونَ،‭ ‬يقول‭.‬

أرى‭ ‬أولاداً‭ ‬كباراً‭ ‬من‭ ‬المدينةِ
ورجالاً،‭ ‬يسرعونَ‭ ‬إلى‭ ‬جهةِ‭ ‬البحرِ
يحملونَ‭ ‬البنادقَ‭ ‬الجديدة‭.‬
كانت‭ ‬الحكومةُ‭ ‬وزَّعَتْها،‭ ‬من‭ ‬يومينِ
فجأةً،‭ ‬على‭ ‬الناس‭.‬

صينيَّةٌ،‭ ‬أُمُّ‭ ‬خمسِ‭ ‬طلقات،‭ ‬قالَ‭ ‬ابنُ‭ ‬جيرانِنا‭ ‬الكبير
نيشانُها‭ ‬تمام‭.‬
أرى الآنَ سطحَ‭ ‬دارِهم،‭ ‬من‭ ‬سنينَ‭ ‬بعيدة‭.‬
حبالُ‭ ‬الغسيلِ‭ ‬مشدودةٌ‭ ‬على‭ ‬الفراغ‭. ‬
الدجاجاتُ‭ ‬واقفةٌ‭ ‬تتلاصقُ
رؤوسُها‭ ‬مرفوعةٌ،‭ ‬تصغي‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭.‬

إجتياز

الأشجارُ‭ ‬المكسورةُ
‭ ‬قُطِّعَتْ‭ ‬إلى‭ ‬أكوامٍ
على‭ ‬الطرقاتِ،‭ ‬تحتَ‭ ‬العرائش‭.‬
عملنا‭ ‬منها،‭ ‬نحنُ‭ ‬الأولادُ،‭ ‬بيوتاً
طابقينِ‭ ‬ثلاثةً‭ ‬بأسوارٍ
تراها‭ ‬البناتُ‭ ‬من‭ ‬الشبابيك‭.‬

الأسماكُ‭ ‬خُزِنَتْ‭ ‬في‭ ‬الملحِ‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬بحرِها‭.‬
الألبانُ‭ ‬جُفِّفَتْ‭ ‬من‭ ‬أوَّلِ‭ ‬الصيف‭.‬
البندورةُ‭ ‬المقسومَةُ‭ ‬نصفينِ‭ ‬نُشِرَتْ‭ ‬على‭ ‬الأسطُح‭.‬
الفلفلُ‭ ‬الأحمرُ،‭ ‬والتينُ‭ ‬والباميةُ
عُلِّقَتْ‭ ‬من‭ ‬خيوطِها،‭ ‬‭ ‬أكاليلَ‭ ‬تحتَ‭ ‬الشمس‭.‬
الحوائطُ‭ ‬الضعيفةُ‭ ‬أُسنِدَتْ
والأسيجةُ،‭ ‬بيوتُ‭ ‬الحمامِ
شجيراتُ‭ ‬الفواكه‭.‬

سيكونُ‭ ‬أقسى
شتاءُ‭ ‬هذا‭ ‬العامِ،‭ ‬قالوا
من‭ ‬كُلِّ‭ ‬ما‭ ‬مَرَّ‭ ‬بِنا‭.‬

تحت عيونهم

عمل‭ ‬يديها،‭ ‬تقولُ‭ ‬أمّكِ
من‭ ‬لوزاتِ‭ ‬السنةِ‭ ‬التي‭ ‬فاتَت‭.‬
نَفَسُها‭ ‬حلوٌ‭ ‬في‭ ‬الشرابِ‭ ‬وفي‭ ‬الأكلِ
أسمعُ‭ ‬جدَّتنا‭.‬
حلوٌ‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬شيءٍ،‭ ‬تقولُ‭ ‬اختُكِ
يضحكون‭.‬
أُمِّي‭ ‬سارحةٌ‭ ‬فينا،‭ ‬كأنَّنا‭ ‬خيال‭.‬

هل‭ ‬نحملُ‭ ‬كأسينا، يا بنتَ عَمِّي‭
عملَ‭ ‬يديكِ‭ ‬
تأخذينني‭ ‬إلى‭ ‬بستانِكم‭ ‬وراءَ‭ ‬الدارِِ
تحتَ عيونِهم
أرى‭ ‬كيف‭ ‬أثمرَ شجرُ‭ ‬اللوزِِ
هذِهِ،‭ ‬تلكَ،‭ ‬السنة؟

دَوَّارُ‭ ‬شمسٍ،‭ ‬وعصفورُها،‭ ‬وتنزلُ‭.‬
شجرٌ‭ ‬وظلالٌ،‭ ‬وأصواتُهم‭ ‬تبتعد‭.‬
حين‭ ‬تمسكينَ‭ ‬الآنَ‭ ‬يدي
آنذاكَ،‭ ‬لا‭ ‬تتركيها‭.‬

صوتكِ، قبل كل شيء

ولو‭ ‬أنتِ‭ ‬الآنَ‭ ‬معي
لخرَجْتُ‭ ‬منها‭ ‬أيضاً‭ ‬هذِهِ‭ ‬المرَّة‭.‬
تسبقينني‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أريدُ‭ ‬أن‭ ‬أقولَ
فلا‭ ‬أحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬صوتي‭.‬

عيناكِ‭ ‬على‭ ‬الآتي‭.‬
‬لم‭ ‬تأخذِي‭ ‬جانبَ‭ ‬الطريقِ‭ ‬بِنا
آنذاكَ،‭ ‬أيتها‭ ‬المحاربةُ
من‭ ‬أجْلِ‭ ‬أن‭ ‬يَمُرّ‭.
نظرتِ‭ ‬بقوَّةٍ‭ ‬في‭ ‬عينيهِ
بينما أنظرُ إليكِ‭ ‬‭.‬

لولا‭ ‬يدُكِ‭ ‬في‭ ‬يدي
ما‭ ‬أوصَلَتْ‭ ‬مغاربي‭ ‬إلى‭ ‬أيِّ‭ ‬يومٍ‭ ‬عَفِيّ‭.‬
تذهبينَ أبعدَ منِّي،‭ ‬إلى‭ ‬شمالي.
صوتُكِ،‭ ‬قبل‭ ‬كُلِّ‭ ‬شيءٍ
في‭ ‬وقتٍ‭ ‬كهذا‭.‬